الجياع في العالم بلغوا اليوم ملياراً , والأمم المتحدة تطلق حملة « مليار من أجل المليار » أي جمع مليار دولار لإطعام مليار جائع بدولار واحد لكل منهم , ولا أعلم ما إذا كان أمينها العام بان كي مون سيستفيد من هذه الحملة بعد أن قرر الإضراب عن الطعام ليوم واحد بالتضامن ؟
بالطبع , الحملة إذا نجحت ستشبع الجائعين ليوم واحد أي بسندويشتي فلافل حسب المواصفة القياسية السورية وتكلفة إنتاج الفلافل , ولكن من يطعم هؤلاء ويشبعهم بقية العمر .. إذا كان ثمة عمر لهم ؟
سدس البشر من العالمين جياع للطعام , أحشاؤهم تعوي ليل نهار من خواء وجفاف , ينتظرون حفنة الأرز المسلوق أو الموت , لكن الأسداس الخمسة الباقية ليست متخمة إلا من كثرة الطعام , وليس شح الطعام بالذات هو جوعها , فثمة أنواع من الجوع تلتبس في مظاهر التخمة , تفتك بالملايين رغم امتلاء أجوافهم بالطعام , أنواع تتفاوت في الكم والنوع بين جوع وجوع , البعض في العوالم الأولى جائع إلى تخفيض الضريبة في بلاده مثلا ولو بنسبة اثنين بالألف , يعتبرها طموحاً يناضل ويتظاهر ويسقط حكومات من أجله عبر صناديق الانتخابات , والبعض في العوالم الثانية جائع لأنواع مترفة من الحرية والتعليم العالي والرفاهية, يعتبرها طموحات أيضاً ويناضل من أجلها , والبعض في العوالم الثالثة والرابعة وغيرها جائع لمسلمات وبديهيات الحضارة.. فإلى ماذا نحن جائعون ؟
جائعون إلى بيئة نظيفة يتراجع فيها الفساد إلى حدوده العالمية المعروفة على الأقل, فلا يكون له فيها موضع القاعدة ولنظافة اليد موضع الاستثناء ؟
جائعون إلى المحاسبة العادلة النزيهة والحاسمة , تقطع دابر اللصوص الذين بجرة قلم أو بخاتم من هنا أو هناك يلحقون المئات منا بالمليار الجائع هناك !
جائعون إلى معايير صارمة , هي في العوالم الأولى أكاديميات ومدارس وتلاميذ وأساتذة , تقيس الكفاءة والنزاهة دون غيرها فيمن نوليهم أمرنا في الوزارات والمؤسسات وقطاعات العمل !
جائعون إلى علاقات أكثر إنسانية فيما بيننا , لا يعشش فيها النفاق والدجل والكراهية المقنعة , ولا تنضح بالتطرف مرة وبالميوعة مرات أخرى, تكرس المعايير الأخلاقية المطلقة ولا تتذرع بالنسبية والقياس إلى القائم الفاسد !
جائعون إلى حياة ثقافية تفاعلية حقيقية توفر وعياً وإدراكاً وأفقاً .. إلى كتاب ومسرح وسينما .. وإلى قصة وقصيدة ورواية , يكون المثقف فيها , بالغربلة والمنافسة الشريفة , رائداً ورمزاً وليس جائعاً ووهماً !
جائعون إلى الحد الأدنى من الضمير والوجدان العام في التخطيط والإدارة , وفي العمل والإنتاج , في تأدية الواجب وتحمّل المسؤولية دون الكذب والرياء والدس والنميمة «وطقطقة البراغي جيئة وذهابا !
جائعون لتصحيح معاني الجوع والتخمة والارتقاء بها من المعدة إلى الدماغ !!